ليس مهمًّا أيهما فرضَ شروطَه على الآخر، ولا درجة المرارة فى كأس كلِّ طرفٍ؛ إذ لا حقيقة إلَّا أن الغزيِّين يعودون من أحراش الموت، وأنَّ البنادق تذوب اليومَ من زفرات الضحايا والمكلومين
. غزّة على شَطّ الحياة؛ رغمًا عن جنون العدوّ والصديق، وعن ألاعيب المحاور والتحالفات.
بحلول الثالث من فبراير، يُنتظَرُ أن تبدأ مُفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق، ومن المُقرَّر إنجاز تفاصيلها العالقة قبل نهاية الشهر نفسه بعدَّة أيام؛ ولعلّها الفاصلُ العميق والأكثر خطورة فى المسار بكامله. وإذا نظرنا إلى الجبهة اللبنانية؛ سنجدُ أنّه كان يتعيَّنُ خروج الاحتلال اليومَ من كامل القرى والبلدات الجنوبية، حسبما يقضى الاتفاق المُوقَّع أواخر نوفمبر الماضى. وما حدث؛ أنَّ إسرائيل طالبت بتمديد المُهلة، وتعلّلت بأنَّ الجيش لم ينتشر بالإيقاع المُتَّفَق عليه، ولم يُخلُ الميدان العمليَّاتى من كلِّ مظاهر الوجود الحزبىِّ.
وتلك الآليَّة الاحتياليَّة إن كانت صالحةً فيما مضى؛ فإنها لم تَعُد مُمكِنةً اليومَ، لا سيما وقد تغيَّرت التوازُنات الجيوسياسية تمامًا، وتوحَّشت شراهة الدولة العبرية لإعادة ترسيم خرائط الإقليم بما يحفظُ مصالحها، أو على الأقلّ لا يضطرّها لمُواجهةِ الامتحانات القديمة ذاتِها فى صورةٍ مُحدَّثَة. صحيح أنَّ ولادة الحكومة مُتباطِئةٌ نوعًا ما، ورئيسها المُكلَّف نوّاف سلام يتعثَّر بين إخلاصه الدستور، ورغبته فى التوافق، واستمساك الثنائىِّ الشيعىِّ بظلال المرحلة المُنقَضِية؛ ولو اختُزِلَت مكاسبها فى حقيبة المالية؛ إلا أنها لا سبيل لعَكس عقارب الساعات؛ مهما تنطَّع المُتنطّعون.
والمعنى؛ أنَّ لبنان انزلق فى المُواجهة على إيقاع السنوار، وفوران العاطفة الجيَّاشة لدى رجاله فى غزّة، والآن تُغادرُ الأخيرةُ نكبتَها على وَصْفَة الحزب التى أوكَلَ التفاوض فيها للأخ الأكبر نبيه برّى، وسيدفع كُلفتَها الكاملةَ للإدارة الجديدة؛ مهما تلكَّأ أو عبَّر عن امتعاضِه المكتوم. الجنرالاتُ يقولون ضِمنيًّا إنهم اكتفوا بما أحرزوه فى غزَّة وغيرها، وجاهزون للاعتراف بأخطائهم، وتحفيز بقيَّة الفعاليات النظاميَّة على إنجاز مهام الرقابة وفحص الوقائع، وتعليق الأجراس فى رقاب أصحابها الحقيقيِّين.
الرهان ليس على الضفَّة فى ذاتها؛ إنها مُجرَّد محاولة لإبقاء الجمر فوق حدِّ الانطفاء، على أمل أن يحدُثَ الخطأ الذى يتطلَّع إليه سفّاح تل أبيب فى غزَّة؛ فيعود لجبهته الأساسية دون حاجةٍ إلى المُغامرة بحرب لا تُؤمَنُ عَواقبُها مع الكُتلة الجغرافية والبشرية الأكبر فى فلسطين، فضلاً على خطورة التداخُلات العميقة بين المجتمعين، مع انتشار المستوطنات وتركُّز قرابة المليون إسرائيلىٍّ على مرمى حجرٍ من البلدات والمُخيَّمات.
مارسَتْ المُقاومةُ عملَها المشروع، وهو حقٌّ لا يُمكن تقويضه بأيّة اعتبارات يراها المُحلِّلون من خارج المشهد؛ لكنه أفضى بحماس وحُلفائها إلى عكس ما أرادوه تمامًا، ولا يُمكن الانفكاك من المآلات فى زمن المراجعة والتقويم. البديل عن حماس أن تتقدّم مُنظّمةُ التحرير، وأن يُعاد إنتاج سلطة الحُكم فى غزّة من داخل حالة الإجماع الوطنى. وإزاحة السلاح للوراء، بعدما بات عاطلاً عن العمل أصلاً؛ تصبُّ بالضرورة فى رصيد السياسة؛ إنما من موقع الوِفاق، وبإشارةٍ إلى امتلاك لُغةٍ فلسطينيَّةٍ واحدة، وإلى قُدرة أطراف القضية على إنجاز مُواءماتٍ بَينيَّة مطلوبة وعاجلة، ويُمكن البناء عليها لإعادة تأهيل المسيرة النضالية على مُرتَكَزٍ من البصيرة وتكامل الإمكانات.
والأزمةُ هُنا ليست فى أهداف الاحتلال وشعاراته فحسب؛ بل فى أنَّ الاتفاق مُجرَّد فاتحةٍ لمهمَّةٍ طويلة تتخطّى وحشيّة الحرب ومصاعب الخروج منها، وتنهى الجزءَ السهل من المسألة لتصطدم بنقاطها الأصعب، وفيها قضايا البديل السياسىِّ، وتوحيد العنوان الوطنىِّ، وبدء مسيرة الإعمار وإعادة تطبيع الحياة فى بيئةٍ يتسلّط عليها الموتُ من كلِّ الجهات.
لن تخسرَ إسرائيلُ أكثرَ مِمَّا خسرته؛ حتى لو عادت إلى الميدان، أو جمَّدت أوضاعَ غزّة دون الحرب وفوق الاستقرار التام. عَدوٌّ مُتوحِّشٌ لا يَعرِفُ الأخلاقَ ولا يحترمُ القانون، تُواكِبُه حمايةٌ من أباطرة الأرض، ويمتلئُ بنشوةٍ عارمة بعدما فكَّك مرافقَ الشيعيَّة المُسلَّحة، وأعاد محورَ المُمانَعة عقودًا للوراء.
فلسطين غزة الاحتلال الاسرائيلى مجلس الأمن الدولى
مصر أحدث الأخبار, مصر عناوين
Similar News:يمكنك أيضًا قراءة قصص إخبارية مشابهة لهذه التي قمنا بجمعها من مصادر إخبارية أخرى.
النتشة: ممارسات إجرامية إسرائيلية في غزة، وفشل المجتمع الدوليأكدت عضو هيئة العمل الوطني الأهلي الفلسطيني رتيبة النتشة أن الممارسات الإسرائيلية في قطاع غزة هي ممارسات إجرامية لا يمكن إخفاؤها، وأن المجتمع الدولي فشل في منع حرب الإبادة على قطاع غزة.
اقرأ أكثر »
أكرم القصاص يكتب: أوراق نتنياهو وترامب والفصائل ما بعد وقف الحرب فى غزةمع اقتراب الشهر السادس عشر على الحرب فى غزة، هناك بعض الأمل فى انتهاء الحرب، ووقف العدوان وإبرام صفقة لتبادل الأسرى والمحتجزين، وأن يتم تطبيق الاتفاق على مراحل.
اقرأ أكثر »
المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط: اتفاق وقف الحرب في لبنان يؤثر على صفقة غزةأكد عاموس هوكستين مبعوث الرئيس الأمريكي جو بايدن للشرق الأوسط، الخميس، على تأثير اتفاق وقف القتال في لبنان على صفقة الرهائن بين حركة 'حماس' وإسرائيل في غزة.
اقرأ أكثر »
مستشار الرئيس الفلسطيني: تعليق الحرب في غزة أمر مرفوض.. ونريد وقف شاملكشف الدكتور محمود الهباش، مستشار الرئيس الفلسطيني، مستجدات صفقة الهدنة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
اقرأ أكثر »
صفقة غزة.. أول أيام الهدنة ووقف النارصفقة غزة أول أيام الهدنة ووقف النار تغطية خاصة | مصراوى
اقرأ أكثر »
العرابى: الاستعدادات على معبر رفح لإدخال المساعدات أثبتت جاهزية مصر لدعم غزةقال السفير محمد العرابى، إن مشاهد الاستعدادات على معبر رفح من الجانب المصري وسرعة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة أثبتت مدى جاهزية مصر لتقديم الدعم لشعب فلسطين الشقيق.
اقرأ أكثر »